الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.غزو العرب بالصعيد وفتح ملطية وآمد. ثم خرج السلطان سنة ثلاث عشرة فعسكر بالأهرام موريا بالنزهة وقد بلغه ما نزل بالصعيد من عيث العرب وفسادهم في نواحيه وإضرارهم بالسابلة فسرح العساكر في كل ناحية منه وأخذ الهلاك منهم مأخذه إلى أن تغلب عليهم واستباحهم من كل ناحية وشرد بهم من خلفهم ثم سرح العساكر سنة أربع عشرة بعدها إلى ملطية وهي للأرمن وملكها عنوة وسار لذلك تنكز نائب دمشق بعساكر الشام وستة من أمراء مصر ونازلوها في محرم سنة خمس عشرة وبها جموع من نصارى الأرمن والعربان وقليل من المسلمين تحت الجزية فقاتلوهم حتى ألقوا باليد واقتحموها عنوة واستباحوها وجاؤا بملكها مع الأسرى فأبقاه السلطان وأنعم عليه ثم نمي عنه أنه يكاتب ملوك العراق فحبسه ثم بعث السلطان العساكر من حلب سنة خمس عشرة إلى عرقية من أعمال آمد ففتحوها وجاءت العساكر سنة سبع عشرة ثانية إلى آمد ففتحوها واستباحوها وغنموا منها أموالا جمة والله تعالى ينصر من يشاء من عباده..الولايات. وفي سنة خمس عشرة سخط السلطان سيف الدين نمر نائب طرابلس الذي وليها بعد أقوش الأفرم وأمده به وسيق معتقلا إلى مصر وولى مكانه سيف الدين كستاي ثم هلك فولى مكانه شهاب الدين قرطاي نقله إليها من نيابة حمص سيف الدين أقطاي ثم قبض سنة ثمان عشرة على طغاي الحسامي من الجاشنكيرية وصرف نائبا إلى صفد مكان بكتمر الحاجب ثم سخطه فأحضره معتقلا وحبسه بالاسكندرية وبعث على صفد سيف الدين أقطاي نقله إليها من حمص وبعث على حمص بدر الدين بكتوت القرماني والله تعالى أعلم..العمائر. ابتدأ السلطان سنة إحدى عشرة وسبعمائة ببناء الجامع الجديد بمصر وأكمله ووقف عليه الأوقاف المغلة ثم أمر سنة أربع عشرة ببناء القصر الأبلق من قصور الملك فجاء من أفخر المصانع الملوكية وفي سنة ثمان عشرة أمر بتوسعة جامع القلعة فهدم ما حوله من المساكن وزيد فيه إلى الحد الذي هو عليه بهذا العهد ثم أمر في سنة ثلاث وعشرين بعمارة القصور لمنازله بسرياقوس وبنى بازائها الخانقاه الكبيرة المنسوبة إليه وفي سنة ثلاث وثلاثين أمر بعمارة الأيوان الضخم بالقلعة وجعله مجلس ملكه وبيت كرسيه ودعاه دار العدل والله تعالى أعلم..حجاب السلطان. وحج الملك الناصر محمد بن قلاون في أيام دولته ثلاث حجات أولا سنة ثلاث عشرة عند ما إنقرض قراسنقر نائب حلب وأقوش الأفرم نائب طرابلس ومهنا بن عيسى أمير العرب وجاء خربندا إلى الشام ورجع من الرحبة فسار السلطان من مصر إلى الشام وبلغه رجوع خربندا فسار من هناك حاجا وقضى فرضه سنة ثلاث عشرة ورجع إلى الشام ثم حج الثانية سنة تسع عشرة ركب إليها من مصر في أواخر ذي القعدة ومعه المؤيد صاحب حماة والأمير محمد ابن أخت علاء الدين ملك الهند صاحب دلى ولما قضى حجه انطلق الأمير محمد ابن أخت علاء الدين ملك الهند صاحب دلى ولما قضى حجه انطلق الأمير محمد ابن أخت علاء الدين من هناك إلى الهند على اليمن ورجع إلى مصر فأفرج عن رميثة أمير مكة من نبي حسن وعن المعتقلين بمحبسه ووصله ووصلهم ثم حج الثالثة سنة اثنتين وثلاثين ومعه الأفضل بن المؤيد صاحب حماة على عادة أبيه في مراكبة السلطان وقفل من حجه سنة ثلاث وثلاثين فأمر بعمل باب الكعبة مصفحا بالفضة أنفق فية خمسة وثلاثين ألف درهم وفي منصرفه من هذه الحجة مات بكتمر الساقي من أعظم أمرائه وخواصه ويقال أنه سمه وهو من مماليك بيبرس الجاشنكير وانتقل إلى الناصر فجعله أمير السقاة وعظمت منزلته عنده ولطفت خلته حتى كانا لا يفترقان إما في بيت السلطان وإما في بيته وكان حسن السياسة في الغاية وخلف بعد وفاته من الأموال والجواهر والذخائر ما يفوت الحصر والله تعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه..أخبار النوبة وإسلامهم. قد تقدم لنا غزو الترك إلى النوبة أيام الظاهر بيبرس والمنصور قلاون لما كان عليهم من الجزية التي فرضها عمرو بن العاص عليهم وقررها الملوك بعد ذلك وربما كانوا يماطلون بها أو يمتنعون من أدائها فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يستقيموا وكان ملكهم بدنقلة أيام سارت العساكر من عند قلاون إليها سنة ثمنين وستمائة واسمه سامون ثم كان ملكهم لهذا العهد اسمه آي لا أدري أكان معاقبا لسمامون أو توسط بينهما متوسط وتوفي آي سنة ست عشرة وسبعمائة وملك بعده في دنقلة أخوه كربيس ثم نزع من بيت ملوكهم رجل إلى مصر اسمه نشلى وأسلم فحسن إسلامه وأجرى له رزقا وأقام عنده فلما كانت سنة ست عشرة أمتنع كربيس من أداء الجزية فجهز السلطان إليه العساكر وبعث معها عبد الله نشلى المهاجر إلى الإسلام من بيت ملكهم فخام كربيس عن لقائهم وفر إلى بلد الأبواب ورجعت العساكر إلى مصر واستقر نشلى في ملك النوبة على حاله من الإسلام وبعث السلطان إلى ملك الأبواب في كربيس فبعث به إليه وأقام بباب السلطان ثم إن أهل النوبة اجتمعوا على نشلى وقتلوه بمالأة جماعة من العرب سنة تسع وبحثوا عن كربيس ببلد الأبواب فألقوه بمصر وبلغ الخبر إلى السلطان فبعثه إلى النوبة فملكها وانقطعت الجزية باسلامهم ثم انتشرت أحياء العرب من جهينة في بلادهم واستوطنوها وملكوها وملؤوها عيثا وفسادا وذهب ملوك النوبة إلى مدافعتهم فعجزوا ثم ساروا إلى مصانعتهم بالصهر فافترق ملكهم وصار لبعض أبناء جهينة من أمهاتهم على عادة الأعاجم في تمليك الأخت وابن الأخت فتمزق ملكهم واستولى أعراب جهينة على بلادهم وليس في طريقه شيء من السياسة الملوكية للآفة التي تمنع من انقياد بعضهم إلى بعض فصاروا شيعا لهذا العهد ولم يبق لبلادهم رسم للملك وإنما هم الآن رجالة بادية يتبعون مواقع القطر شأن بوادي الأعراب ولم يبق في بلادهم رسم للملك لما أحالته صبغة البداوة العربية من صبغتهم بالخلطة والالتحام والله غالب على أمره والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.
|